للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكلام وأخذِ بعضِه بحجزةِ بعض".

حكاه في "روح المعاني" (١)، ثم قال: "ووجه التخصيص حينئذ كمالُ احتياج العبادة إلى طلب الإعانة، لكونها على خلاف مقتضى النفس. {إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي} [يوسف: ٥٣]. [ل ٦٢/أ] والقرينة مقارنة العبادة، ولا خفاء في وضوحها".

ثم قال: "والإنصاف عندي أنَّ الحمل على العموم أولى ... ".

والحاصل أنه اختار العموم، ثم اختار أن الصراط عامٌّ، فقال: "فإنه أعمُّ من العبادات والاعتقادات والأخلاق والسياسات والمعاملات والمناكحات وغير ذلك من الأمور الدينية، والنجاة من شدائد القبر والبرزخ والحشر والصراط والميزان، ومن عذاب النار، والوصول إلى دار القرار والفوز بالدرجات العُلى. وكلُّها مفتقِرٌ إلى إعانة الله تعالى وفضله. وأيضًا طرقُ الضلالات التي يستعاذ منها بغير المغضوب عليهم ولا الضالِّين لا نهاية لها ... ".

قال عبد الرحمن: لا خفاءَ أنَّ المقام إنما يقتضي الاستعانة على العبادة التي التزموها. وكلُّ الصيد في جوف الفَرا (٢). فإنَّ الاعتقادات الدينية ترجع إلى العبادة، فإنَّ في اعتقاد الحق طاعةً لله وخضوعًا له إذا خالف الهوى، وذلك عبادة. والأخلاق المحمودة مع حسن النية عبادة، والأحاديث في فضائل حسن الخلق معروفة. والسياسات المحمود منها ما كان المقصودُ منه إقامةَ الحق والعدل وتنفيذَ أحكام الله عزَّ وجلَّ، وما قُصِد به ذلك كان عبادة. والمعاملات


(١) (١/ ٩٣).
(٢) الفَرا: الحمار الوحشي. وانظر المثل في "مجمع الأمثال" (٣/ ١١).