للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

في تحصيل أسبابه العادية جهده. فقارئ الفاتحة إذا كان بغاية الحرص على تعرُّف الصراط المستقيم لازمًا جهدَه ما عرف منه، متباعدًا عن خلافه، مؤثِرًا له على هواه؛

وسلطانُ الهوى شديدٌ، ومسالكُه كثير= فبشِّرُه بالإجابة إذا قال: اهدنا السراط المستقيم.

وأرى أنَّ الله تبارك وتعالى نبَّهنا على هذا، وأجاب هذا الدعاء في الجملة، فهدانا نوعًا عظيمًا من الهداية بقوله سبحانه: {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ}. فإنَّ هذا وإن كان من تتمة الدعاء، ولكن هذه سنَّة معروفة للأذكار والأدعية الواردة في الكتاب والسنة، كما في دعاء الاستغفار الثابت في الصحيح: "سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك" (١). فلابدَّ أن يعرف الإنسان معاني هذه الكلمات، ويتحقق بها؛ وإلا كان كاذبًا. مثلًا إذا لم يعزم التوبة، فكيف يقول: "وأتوب إليك"!

وكذلك في الحديث الآخر في "صحيح البخاري" عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: "سيِّدُ الاستغفار أن تقول: اللهمَّ أنتَ ربِّي [لا إله إلا أنت] خلقتَني وأنا عبدُك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعتُ" (٢). فإذا كان الداعي لهذا مخِلًّا بما يستطيعه مما عاهد عليه ربَّه، ووعد من نفسه من الطاعة والاتباع؛ فكيف يقول هذا!

وكذلك إذا تلا قوله تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ


(١) أخرجه الترمذي (٣٤٣٣) عن أبي هريرة، وأبو داود (٤٨٥٩) عن عبد الله بن عمرو بن العاص، والنسائي (١٣٤٤) عن عائشة.
(٢) أخرجه البخاري (٦٣٠٦) من حديث شدَّاد بن أوس.