رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام: ١٦٢] أو دعا بها في الافتتاح مع أنَّ الظاهر أن المعنى: لله أصلِّي، ولله أنسُكُ، ولله أحيا، ولله أموت= فمن كان يحيا ليأكل ويشرب ويلهو ويلعب في معصية الربِّ، فكيف يقول هذا! وكذلك من كان يكره أن
يموت في سبيل الله، وله هوى أو عصبية أو غير ذلك، ولا يكره أن يموت في الدفع عنها.
فهذه الأذكار والأدعية وأمثالها، فيها تنبيهٌ للعبد وحملٌ له على أن يُجهد نفسَه أولًا على التحقُّق بما فيها، وعلى الأقلِّ يعقدُ عزمَه وهمتَه، ويُخلِصَ نيتَه للتحقُّقِ بذلك في الحال والتزامِه في الاستقبال، ثم يقولُها.
ففي قوله تعالى:{صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} تنبيهٌ لنا أنَّ على المسلم أن يكون حريصًا على اتِّباعِ المنعَمِ عليهم ومخالفةِ المغضوبِ عليهم والضالِّين. فإذا كان ذلك وتلا الفاتحة، وذكر ما فيها من الدعاء، كان شرطُه ــ وهو بذلُ [ل ٦٤/ب] وسعِه فيما يستطيعه مما دعا به ــ حاصلًا، فيستحقُّ الإجابة. وإلَّا كان بمنزلة من يرى حريقًا في جانب البلد، وهو يقدر على أن يباعدَ نفسه عنه، فلا يفعل، بل يقتصر على الدعاء؛ فكيف إذا كان يسعى إلى الحريق، ويدنو منه، ويقول مع ذلك: اللهمَّ باعِدْني عن الحريق!
وأما ما في قوله:{سِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ}(١) إلخ من الهداية، فهو الدلالة على أنَّ الصراط المستقيم هو سراطُ هؤلاء دون أولئك. وهذا أصل عظيم، ولاسيما بعد القرن الأول؛ فإنَّ البدع والضلالات انتشرت وأُلصِقت بالدين، وأصبح كثير منها عند كثيرٍ من الناس، أو أكثرِهم، حتى كثيرٍ من
(١) كذا كتب هنا "سراط" بالسين، وهي قراءة قنبل. انظر: "الإقناع" لابن الباذش (٥٩٥).