للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقوله: {وَلَا الضَّالِّينَ} أي وغيرِ الضالِّين. والضلالُ خلاف الاهتداء. فالمعنى: وغيرِ الذين ضلُّوا عن سبيل الحق.

ولم يقل: "ولا الذين أضللتَ"، لنحو ما تقدَّم، وللتنبيه على أنَّ أصلَ الضلال إنما يجيء من العبد نفسه، فأما إضلالُ الربِّ عزَّ وجلَّ لمن شاء، فإنما يقع عقوبةً لمن اختار الضلال لنفسه وأصرَّ عليه. قال تعالى: {وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ} [البقرة: ٢٦]. وسيأتي ــ إن شاء الله تعالى ــ الكلام على ذلك (١).

هذا وقد جاء عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وعن جماعة ممن بعده من الصحابة والتابعين أنَّ المراد بالمغضوب عليهم: اليهود، وبالضالِّين: النصارى (٢). وفي القرآن ما يشهد لذلك. وهو الذي يقتضيه السياق، لأنه قد تقدَّم ذكرُ الذين أنعم الله عليهم، وبيَّن أنَّ رؤوسهم الأنبياء ثم أتباعهم. وقد عُرف أنَّ اليهودَ كان أوائلُهم من أتباع الأنبياء كموسى وهارون، وكان فيهم بعد ذلك عدد من الأنبياء، وأنَّ النصارى من أتباع عيسى مع اتباعهم لموسى وهارون ومَن بعدهما، وأواخر الأمتين يزعمون أنهم كأوائلهم ومعروفون بين الناس أنهم في الجملة من أتباع الأنبياء= فقد يُتوهَّم دخولُ اليهود والنصارى في المنعَم عليهم، فربَّما يحمل ذلك على اتباعهم في بعض الأشياء توهُّمًا من الصراط المستقيم. هذا مع كثرة ملابسة المسلمين لهاتين الأمتين.


(١) لم أجده في الأصل.
(٢) انظر: "تفسير الطبري" (١/ ١٨٥ ــ ١٨٨)، (١/ ١٩٣ ــ ١٩٥).