للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الثالثة: إخراج صفة قد يزعم المخاطب أو يجوِّز وجودها في الموصوف.

{بِالْغَيْبِ}: قيل: إنَّ الباء بمعنى (في)، أي: يؤمنون غائبين. وقيل: إنها للاستعانة، أي: يؤمنون بالقلوب. وكلا القولين ضعيف، والصواب أنّ الباء هي التي يوصف بها الإيمان في نحو: آمنت بالله. وعليه فإن حُملت (ال) على الجنس لزم أن يكون الظاهر أنَّه يكفي الإيمان بشيءٍ ما من الغيب وهو باطل، وإن حُملت على الاستغراق لزم اشتراط الإيمان بكل غيب؛ وهو غير صحيح. فالصواب أنّها للعهد أي: بالغيب الذي دعت الرسل إلى الإيمان به، وذلك الإيمان بالله وملائكته واليوم الآخر وسائر ما عُلِم أنّ الرسل أخبرت به.

{ ... وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ}: هذا كالتفسير للغيب، ولذلك ــ والله أعلم ــ أعاد لفظ "والذين"، فإن الإيمان بما أُنزل إليه وما أُنزل من قبل يتضمن الإيمان بكل ما يجب الإيمان به من الغيب.

وقوله: {بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ} يحتمل أن يكون خاصًّا بالقرآن وتدخل السنة بما في القرآن من الشهادة لها، ويحتمل أن يعمَّ القرآن والسنة بالنظر إلى معانيها، فإنَّ معانيها منزَّلة. ونحوه يقال في قوله: {وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ}.

[٢/ب] {وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ}: إنما نصَّ عليها مع دخولها في جملة ما أُنزل إليه وما أُنزل من قبله لأهميتها، فإن الانقياد للشريعة يتوقف على الرغبة والرهبة، وإنما يحصل ما يعتدُّ به منهما لمن آمن بالآخرة. فإنَّ الرغبة والرهبة لما في الدنيا ضعيفتان، لما يُشاهد كثيرًا من ابتلاء المؤمن وتنعيم الكافر.