وفي قوله:{هُمْ يُوقِنُونَ} قَصرٌ للإيمان بالآخرة عليهم، فأفاد أن غيرهم كاليهود والنصارى لا يوقنون بالآخرة، وإن زعموا ذلك.
وجاء هنا بقوله:{يُوقِنُونَ} إشارة إلى أن غيرهم قد يمكن أنه يؤمن بها ولكنه لا يوقن، وإلى أن المطلوب في حق الآخرة الإيقان بها. ولا يكفي التصديق الخالي عن اليقين، لأنه لا يكفي لحصول الرغبة والرهبة اللتين يدور عليهما الانقياد للشرع.
{أُولَئِكَ عَلَى هُدًى}: أتى باسم الإشارة ليلتفت المخاطب إلى الصفات السابقة، فيستحضرها مُفصَّلة ــ وقد تقدَّم ما في ذلك من الفائدة ــ وليعلم أن الموجِب لكونهم على هدًى هو اتصافهم بتلك الصفات، وليشهد بأنهم إذا اتصفوا بها حقيقون بأن يقال: إنهم على هدى.
وقوله:{عَلَى هُدًى} أرى أنّ فيه استعارة بالكناية، حيث شبَّه الهدى بالسراط، وطوى ذكر المشبَّه به، ورمز له بشيءٍ من لوازمه، وهو "على".
[٣/أ] وأرى أن الهدى هنا غير الهدى السابق في قوله: {هُدًى لِلْمُتَّقِينَ}. فالأول بمعنى الدلالة، وهذا بمعنى التوفيق والإرشاد. وكلاهما قد تضمنهما قوله في الفاتحة:{اهْدِنَا السِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ}. والآيات من البقرة كأنها إجابة لذاك الدعاء في الفاتحة ببيان السراط المستقيم، وبيان المنعَم عليهم من غيرهم.