للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أنَّ الأكل

والشرب والوصية كذلك.

ثم لمحتُ على الحواشي (١) ما كتبه سيِّدُنا أيَّده الله، فإذا هو هذا الوجه، أعني: رجوع {وَلَا تُسْرِفُوا} إلى الأكل. قال: ويؤيِّده قوله تعالى في آية: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا} [الأعراف: ٣١].

فعلمتُ أنَّ الخاطر الذي خطر لي إنما هو من توجُّه قلبِ سيِّدنا أيّده الله تعالى (٢).

ثم قرَّر سيّدنا ــ أيَّده الله ــ هذا الوجه، وقال: إنه رَجَح بوجهين:

الأول: آية {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا}. فقوله: {وَلَا تُسْرِفُوا} فيها راجع إلى الأكل والشرب مطلقًا، ففي آية البحث الأَوْلى موافقتها.

الثاني: أنَّ إعطاء الكلّ ليس ممّا يُنهى عنه، لقوله تعالى: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر: ٩]، وقصةِ سيِّدنا أبي بكر (٣)، وغير ذلك. وإنما يُنهى عن إعطاء الكل في حقِّ أهل القصور عن اليقين.

وحملُ القرآن على الأوّل أولى، بل يتعيَّن؛ لأنه الأشرف، والقرآن يُحمل


(١) يعني حواشي الجلالين.
(٢) كذا جرت هذه العبارة على قلم الشيخ في هذا الموضع، ولم يتكرر مثلها في كتبه. وهذه الرسالة مما قيَّده الشيخ في مقتبل شبابه حين اتصاله بالإدريسي. وكان الإدريسي متصوفًا، وتوجُّه القلب مصطلح معروف عند الصوفية شائع في مجالسهم.
(٣) أخرجها أبو داود (١٦٨٠) وغيره عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه. وخلاصتها: أنَّ عمر رضي الله عنه أراد أن يسابق أبا بكر رضي الله عنه في الصدقة، فجاء بنصف ماله. وجاء أبو بكر رضي الله عنه بكل ما عنده، فقال له عمر: لا أسابقك إلى شيء أبدًا.