للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

[ص ٢٩] الغنى: عدم الحاجة، والإغناء: إعدام الحاجة، ثم من الأشياء ما يحتاج الإنسان إلى حصوله كالمال، ومنها ما يحتاج إلى دفعه كالعذاب.

فإذا نظرنا إلى حالك مع المال، وجدناك طالبًا، والمال مطلوبًا، فأنت محتاج، والمال محتاج إليه.

وإذا نظرنا إلى حالك مع العذاب حين يُخشى أن ينالك، وجدنا الأمر كأنه عكس ما مضى، كأن العذاب هو الطالب المحتاج، وكأنك أنت المطلوب المحتاج إليك.

على هذا الأساس جرى استعمال كلمة "أغنى" ومشتقاتها في الكلام. يأتي الطالب مفعولاً به منصوبًا، والمطلوب مجرورًا بـ"عن"، فانقسمت إلى ضربين:

الأول: ما كان على ظاهره، كالإنسان والمال. يأتي الإنسان منصوبًا، والمال مجرورًا بـ"عن"، كقولك لأخيك: قد أغناني الله عن مالك.

وقال تبارك وتعالى (٩/ ٨٢): {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}.

قال ابن إسحاق: "قالوا لَتُقطَعنّ عنا الأسواقُ، ولَتهلكنّ التجارة، ولَيذهبنّ عنا ما كنا نصيب فيها من المرافق" (١). فكأنه قال: فسوف يغنيكم


(١) "سيرة ابن هشام" (٢/ ٥٤٧)، "تفسير الطبري" (شاكر ١٤/ ١٩٧).