وقوله:"لا تقوم مقام العلم" هو المعنى المتقدم، فأما قوله:"لا يدفع عنهم من عذاب الله شيئًا"، فهو في الجملة المعنى الذي يقتضيه الأساس المتقدم، ومواقع الكلمة في القرآن، إلا أن قوله:"من عذاب الله" لا يخلو من بعد؛ لأن كلمة "الحق" إما أن يكون حملها على أنها اسم الله عز وجل، ثم قدر كلمة "عذاب"؛ وإما أن يكون حملها على أن المراد بها العذاب.
والذي يقتضيه السياق أن تكون كلمة "الحق" هنا هي ما تقدم في الآيات في قوله: {فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ}[يونس: ٣٢] فالحق هو الأمر الثابت قطعًا. فتوحُّد الله تعالى باستحقاق العبادة أمر ثابت قطعًا، كما تقتضيه الآيات السابقة، وهو حق يُطالَب العباد ليعترفوا به، ويعملوا بحسبه. والمشركون يحاولون دفع هذا الحق بتخرُّصاتهم التي غايتها في نفسها أن تفيد ظنًّا ما، والظنُّ لا يدفع شيئًا من الحق اليقيني، فيتحصَّل من هذا أن الظن لا يعارض القطع.
وهذا المعنى ــ مع كونه موافقًا لأساس كلمة "يغني" ولمواقعها في أكثر الآيات ولمقتضى السياق ــ حق في نفسه، لا يرد عليه شيء مما تقدم، ولا ما يورد على ذلك من إنكار بعض أئمة العربية مجيء كلمة "من" للبدلية، ولا غير ذلك.
ولكن يبقى علينا أن هذه الجملة:{إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا}[يونس: ٣٦][ص ٣٣] وردت في موضع آخر من القرآن، قد لا يحتمل هذا المعنى، بل قد يتعين فيها المعنى الذي قاله الجمهور، فلننظر في ذلك.
قال الله تبارك وتعالى (٥٣/ ٢٠): {أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثَى (٢١) تِلْكَ إِذًا