جرى الجمهور هنا على ذلك المعنى: أن الظن لا يغني بدل العلم، أي لا يقوم مقامه. وذكر البغوي ما يوافقه، ثم قال:"وقيل: الحق بمعنى العذاب، أي إن ظنهم لا ينقذهم من العذاب"(١).
وقد يقال: إن السياق يعيِّن قول الجمهور دون القول الذي قدمناه: أنّ الظنّ لا يدفع شيئًا من الحق.
والصواب: أنّ السياق يوافق هذا المعنى، فكلمة "الهدى" من قوله: {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى} مثل كلمة الحق في قوله تعالى هناك: {فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ} فالهدى هو الحق الثابت قطعًا، فهو المراد في قوله:{إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا}.
وكأنه قيل: وجاءهم من ربهم الحق الثابت اليقيني في أنه لم يلد ولم يولد، وأن الملائكة عباد من عباده، ليسوا بنات له ولا إناثًا، وهم في زعمهم أن الملائكة بنات الله ليس لهم علم يستندون إليه سوى الظن، وهوى النفوس. فيتبعون الظن، ويحاولون أن يدفعوا به ذلك الحق اليقيني؛ وإن الظن لا يدفع شيئًا من اليقين، فالظن لا يعارض القطع.