للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

واستدل في ذلك أيضًا بكلام العرب الذين شهدوا الواقعة، وذكروا في شعرهم ما رأوه من "جنود الإله بين ساف وحاصب". وأيد ذلك أيضًا بقول ذي الرمة:

وأبرهةَ اصطادت صدورُ رماحنا ... جهارًا وعُثنونُ العجاجةِ أكدَرُ

تنحَّى له عمرٌو فشكَّ ضلوعَه ... بنافذةٍ نجلاءَ والخيلُ تَضْبِرُ

فقال: "فصرح بأنه طعنه رجل من قومه وبأنه كان في يوم ذي غبار كثير مرتفع إلى السماء، وذلك بأن الله أرسل عليهم ريحًا حاصبًا فحصبتهم" (ص ١٧).

وقوله تعالى: {تَرْمِيهِمْ} عند المعلِّم رحمه الله حكاية حال ماضية، والضمير المستتر في (ترمي) للخطاب راجع إلى الخطاب العام في (ألم تر) أي كنت ترميهم أيها المخاطب، ولكن رميك لم يكن ليغني شيئًا، فالله سبحانه هو الذي جعلهم كعصف مأكول. وأما الطير فأرسلت عنده لأكل الجثث، وأيد ذلك بما ورد في كلام الشعراء وما فهمه من بعض الروايات. ثم ذهب إلى أن رمي الجمرات في الحج تذكار لرمي جيش أبرهة، وخصص لبيان ذلك الفصول الثلاثة الأخيرة.

والأمور التي بعثت الفراهي رحمه الله على هذا التفسير أهمها فيما يظهر لي من خلال كلامه أمران:

الأول: أن بيت الله كان أعز شيء عند العرب ولا سيما عند قريش، وكل شرفهم وفخارهم منوط به، والأمم مهما كانت من الذلّ والضعة لا ترضى بإهانة معابدها، بل تضحي بنفسها ونفيسها في الدفاع عنها، فكيف يتخلى العرب عن بيت الله، ويفرِّطون في محاربة العدو القادم لهدمه ويفرُّون إلى