شعف الجبال، وهم الذين يضرب المثل بإقدامهم وبسالتهم وأنفتهم وحمايتهم للجار، وقد نشبت الحروب المتطاولة لأدنى سبب من ذلك.
والثاني: الرواية التي وردت في لقاء عبد المطلب لأبرهة تعظِّم أبرهة، وتصفه بالحلم، وتلصق كل مهانة وذل بعبد المطلب سيد قريش. فبدا للمعلم رحمه الله أن الرواية مما وضعه أعداء العرب.
ثم وجد بعض الشعراء الذين شهدوا الواقعة يذكرون السافي والحاصب، فتأكد عنده أن الله تعالى أرسل عليهم الرياح الذاريات وأمطر عليهم الحجارة كما فعل بقوم لوط وغيرهم.
ورأى في كلام العرب أيضًا ذكر الطير التي كانت تصحب الجيوش لتأكل القتلى كما قال النابغة:
إذا ما غزوا بالجيش حلَّق فوقهم ... عصائبُ طيرٍ تهتدي بعصائب
وفهم من قول سعيد بن جبير:"إن الطير كانت خضرًا لها مناقير تختلف عليهم" أنها كانت تأكلهم، فذهب إلى ما ذهب في تفسير السورة.
ولما صدر تفسير المعلِّم رحمه الله هذا تعرض للرد والتعقيب، مع الاعتراف بجلالة قدره، وغزارة علمه، وتورعه وتقواه (١). غير أن بعض شيوخنا لما تصدى لنقد هذا التفسير أنكر شجاعة العرب أصلًا، وزعم أنها من أكاذيب الشعراء والأخباريين، وكأنه ــ غفر الله له ــ قاس شعراء الجاهلية على الشعراء المتأخرين من العرب وشعراء الفارسية والأردية المولعين بالغلو والإغراق في المدح والافتخار.
(١) انظر: قصص القرآن للشيخ محمد حفظ الرحمن (٣: ٣٦١)، وتفهيم القرآن للأستاذ أبي الأعلى المودودي (٦: ٤٧١).