للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وإن اختار الثاني، بقي عليه أن يثبت الأكل بحجة واضحة، وأنى ذلك!

ويكفي في رده أن أهل العلم من لدن الصحابة إلى الآن لم يذكروه. وهَبْ أنه أقام عليه حجة واضحة، فإنه لا ينافي ما قامت عليه الحجج الواضحة من رميها بالحجارة، وسيأتي تمام هذا إن شاء الله تعالى.

وأما الثاني، فقال المعلِّم (ص ٢٣): "وأما الإخبار بحملها الحجارة في مناقيرها وأظفارها، فقصارى أمره أن يكون إما ممن رأى نزول الحجارة من السماء، وظن من بعيد أنها تأتي من الطير، أو ممن ظن أن الضمير في قوله تعالى: {تَرْمِيهِمْ} يرجع إلى الطير، فروى القصة حسبما فهم من تأويل الآية".

وقال في موضع آخر (ص ٣٢) (١): "ويمكن أيضًا أن بعض الشاهدين أنفسهم لم يفهموا إلا أن الطير رمتهم، فذكروا حسبما ظنوا. وعذرهم بيّن، فإن رمي أهل مكة لم يكن جديرًا بما رأوا من الآثار على الأعداء، فأيقنوا برمي من السماء، ولم يروا في السماء إلا طيرًا أبابيل، فنسبوا هذا الرمي إليهن".

قال عبد الرحمن: حاصل الاحتمال الأول أن الطير حلّقت عليهم، ثم رُجموا، وهي محلّقة. وهذا موافق لما دل عليه القرآن، كما يأتي أن إرسال الطير كان قبل الرمي، وموافق لما أطبقت عليه الروايات، ومنها قول نفيل:

حمدتُ الله إذ عاينتُ طيرًا ... وخفتُ حجارةً تُلقَى علينا


(١) في الأصل: "ص ٢٣"، وهو سهو.