الحجارة رمي بالحصبة ... وجعلوا يتساقطون على كل منهل. فتبين أن كل ما ذهب إليه الفريق الثاني ليس إلا ما يتفرع على رأي رمي الطير".
قال عبد الرحمن: أما رمي الطير فقد أثبته الفريقان معًا كما علمت، بل لم ينفه أحد من المسلمين قبل المعلِّم رحمه الله. ولا يلزم من إثباته أن تملأ الجثث بطحاء مكة أولًا، لأن رمي أصحاب الفيل كان بعيدًا عن مكة، كما يأتي.
ثانيًا: لأن الروايات الثابتة التي تثبت رمي الطير لم تقل: إنّ [ص ٤٢] الحجارة أصابت الفيلة وجميع أفراد الجيش، فأقعصتهم. بل الأثبت منها يقول: إنها من أصابته نَفِط موضعُ إصابتها، وكان الجدري والحصبة والحكّة، وذكر بعضها الهشم. ولا يلزم منه هلاك الفيلة وهلاك الجيش كلّه في محلّه. وبعض الروايات التي فيها نظر ذكرت النفوذ، ولم تقل: إنها أصابت الفيلة، ولا إنها أصابت جميع أفراد الجيش، ولا إن كل من أصابته إنما أصابته في رأسه، فيلزم أن يموت للحال.
وأما أنها كانت تصيب البيضة فتخرقها، وتخرق الراكب والمركوب، وتغوص في الأرض، فإنما رأيت هذا في كلام مقاتل، وهو مجازف لا يعتدّ بقوله. ولا يلزم من رد قوله ردُّ جميع الروايات التي أثبتت رمي الطير. غاية ما يلزم أن يكون جماعة من أصحاب الفيل هلكوا في موضعهم، وفرّ الباقون يتساقطون على كل منهل، كما ذكره ابن إسحاق.
وعليه، فلا إشكال؛ لأن الذين هلكوا في موضعهم قد لا يكونون كثيرًا، بحيث يتغير هواء مكة، مع بُعدها عنهم.