أن أهل العلم من الصحابة والتابعين، وهلم جرًّا إلى عهد المعلِّم لم يفهموا من قول الله تعالى:{تَرْمِيهِمْ} إلا أن المعنى ترميهم الطير، فمخالفتهم كلهم [ص ٤١] في هذا الفهم إما أن لا تجوز ألبتة، وإما أن تجوز بشرط أن تقوم حجة قاهرة تلجئ إلى مخالفتهم. وليس للمعلم حجة إلا الشبهة التي سلف ذكرها، وسيأتي ردّها إن شاء الله تعالى.
وفوق ذلك، فإن أول السورة يردّه، فإن معناه ــ كما يعترف به المعلِّم ــ:"قد علمت أيها المخاطب، أي كلّ من يصلح أن يخاطب {كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ} علمًا مساويًا لعلم المشاهد". فكيف يجوز أن يقال هذا، وعامة الذين شاهدوا الواقعة وغيرهم ممن قرب منهم لا يعلمون أصل الكيفية، بل يجهلونه جهلًا مركبًا، يرون أنه كان يرمي الطير، والواقع أنه لم يكن رمي من الطير؟
قال المعلِّم (ص ٢٤): "ثم كأن بعض من أخذ بهذا الرأي تفطن لما فيه من الإشكال، فإن جثث الفيلة والقتلى ملأت ناحية بطحاء مكة، فكيف أمكن لأهل هذه البقاع أن يسكنوها؟ ففزعوا إلى رأي آخر، وهو أن الله تعالى أرسل سيلًا فطهر الأرض. ولا يخفى أن السيل الذي يذهب بجثث هذه الأفيال وهذا الجند الكثيف لا يترك سكان هذه البطحاء ... ثم ... وجدوا إشكالًا آخر، وهو أن الحجارة النازلة من مناقير الطير وأظافيرها تنزل مستقيمة، فكيف تصيب الفيل مع أن جسمه حتى رأسه محفوف بالراكبين، فزعموا أن الحجارة نفذت الراكبين ... ثم لا بد لهم أن يفرضوا أن الحجارة أصابت جند أبرهة، وأهلكه على مكانه، وأن ينسبوا الإهلاك إلى محض جراحات الحجارة. ولكن رواية الفريق الأول تصرح بأن من أصابته