إلى نفسه في قوله:{وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى}[الأنفال: ١٧]، فهكذا ههنا نسب إلى نفسه أنه جعلهم كعصف مأكول. فلا شك أنها كانت من الآيات البينات، فإن منافحة قريش كانت أضعف من أن يفُلَّ هذا الجيش، فكيف يحطِّمهم حتى صاروا كعصفٍ مأكول؟ ".
قال عبد الرحمن: قد علمت أن فعل الله تعالى بأصحاب الفيل لا يحتاج إلى حجاب. وأزيدك ههنا أنه كان هناك مانع من الحجاب والتسبب والمباشرة، بل مانعان:
الأول: أنه لو قدر الله تعالى أن يكون منهم رمي، لكان ظاهر الأمر أنّ الله عزَّ وجلَّ نصرهم، وأعانهم، وأمدّهم بآية من آياته، وفي ذلك ما يُشعرهم بأنهم على حقٍّ يرضاه الله عزَّ وجلَّ ويحبّه. وإذًا لقالوا للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ــ حين دعاهم إلى التوحيد، ونبذ الأوثان، وبيَّن لهم ما هم عليه وآباؤهم من الضلال والبهتان ــ: إن الله تبارك وتعالى أيَّدنا ونصرنا وأعاننا إذ رمينا أصحاب الفيل شيئًا من الرمي، فكثَّره الله تعالى حتى هزم ذلك الجيش العظيم، وحطّمه وكنا حينئذٍ على ما نحن عليه الآن من عبادة الأوثان وغيرها، فلولا أنَّ ذلك مرضي عند الله سبحانه لما صنع بنا ذلك. فلما لم يقدر الله عزَّ وجلَّ رميًا منهم، بل قدر ــ على ما جاء في الروايات ــ تأمين أبرهة لهم، ونكولهم عن القتال [ص ٦٠] علموا أن الله عزَّ وجلَّ إنما فعل بأصحاب الفيل ما فعل حمايةً لبيته. وليس في ذلك ما يدل على رضا الله تعالى بشركهم، فلم يمكنهم أن يحتجوا على النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
المانع الثاني: أن معيشة أهل مكة قائمة على تجارتهم إلى اليمن والحبشة والشام، كما هو مبين في تفسير سورة قريش، فلو وقع منهم رمي