أن يهان، وعقوبة الحبشة، والإرهاص للنبي صلى الله عليه وآله وسلم. فإنه بُعث بتعظيم حرمات البيت والحرم، وتطهيره عما دنسه به المشركون من رجس الأوثان. وكان الله تعالى يرشّح عرب الحجاز للقيام بأعباء الإسلام، فاقتضت حكمته أن يبقَوا قَراحًا لم تطأهم ذِلّة، ولم تجأهم مَلَكة؛ لأن ذلك شرط عادي لقيامهم بالإسلام. ولهذا لما كان بنو إسرائيل على غير هذه الصفة لم يصلحوا لحمل الدين حتى حبسوا أربعين سنة في التِّيه، فنشأ منهم قرن صالح.
ولم يكن أهل مكة حين واقعة الفيل دون الحبشة في الكفر، فإن الحبشة نصارى أهل كتاب، وأهل مكة أهل شرك وأوثان.
ولم يكن ذلك الخارق معجزة ولا كرامة لأهل مكة، أو لواحد من أحيائهم حتى يحتاج إلى مباشرة منهم، كما في رمي النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوم بدر، ورمي موسى بالرماد، ومدّ يده للجراد.
فرمي الحبشة خارق لا يستدعي رميًا من أهل مكة ألبتة، فاندفع ما حاوله المعلِّم رحمه الله.
ثم أسوق عبارته في تطبيق واقعة الفيل على الشواهد الثلاثة التي ذكرها، وقد تقدمت.
[ص ٥٩] طبقها على الشاهد الأول، وهو رمي النبي صلى الله عليه وآله وسلم في يوم بدر بقوله: "وكذلك في هذه السورة كانت قريش ترميهم بحجارة، ينفحونهم بها عن الكعبة، فجعلها الله حجابًا لما أرسل على أصحاب الفيل من الحجارة من السماء، وكما نسب الله تعالى الرمي في بدر