للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يقتله المبشَّر به في سبيل الله، وقد كان كذلك. فكم قتل المسلمون في محاربتهم فارس والروم والترك وغيرهم من ملوك وقواد، وخيل وفرسان، أكلتهم طيور السماء! وذلك أنسب بالعشاء العظيم، فإنهم أضعاف أضعاف من هلك من أصحاب الفيل، وأنسب بجميع طيور السماء، فإن الطير الأبابيل كانت من نوع خاص لم يعرفه العرب.

على أننا قد بينا أنه لا مانع أن يكون الله عزَّ وجلَّ أطعم الطير الأبابيل من لحوم صيدها، ولم يصرح بذلك في القرآن والروايات؛ لأنه في نفسه أمر عادي. فإن ثبت ذلك لم يكن فيه ما ينفي ما دل عليه الكتاب والرواية، واتفق عليه الناس من رمي الطير.

الأمر الثالث (١) من البواعث على إنكار رمي الطير: أن بعض فلاسفة الإفرنج وكُتَّابهم وأذنابهم من الملحدين ينكرون الخوارق، ويسخرون منها، ويعدّون ذكرها في القرآن برهانًا على اشتماله على الكذب. وعلماءُ المسلمين شديدو الغيرة على القرآن، والحرص على تبرئته عن المطاعن، فقد يحمل بعضَهم ذلك على أن يتأول بعض النصوص القرآنية، ويحمله على معنى لا ينكره القوم.

ومتى لم يفحش التأويل فالخطأ فيه ــ إن شاء الله تعالى ــ مغفور، والباعث عليه أمرٌ محمودٌ؛ إلا أن الحقَّ أحقُّ أن يتبع، وأعزُّ من أن يُضطرَّ المنتصر له إلى ترك بعضه. فالواجب على أهل العلم أن يبحثوا عن مستند القوم في إنكار الخوارق، فيهدموه بالحجة والبرهان. [ص ٦٥] فأما ترضّيهم بتأويل بعض النصوص، فخطلٌ من الرأي.


(١) الأمر الثاني تقدّم في (ص ٦٠).