وهي حبس الفيل، كما سلف بيان ذلك كله، وتباشير الكلام وبوارقه تؤذن بالخارقة كما تقدم في تفسير السورة.
وبالجملة، فليس ههنا قرينة ما تصرف الكلام عن رمي الطير، فتحمل على تكلف الخطاب المجازي، بل القرائن الحالية والقالية كلها تؤيد رمي الطير بعضها بالخصوص، وبعضها بالدلالة على الخارقة. والمعلِّم ــ عفا الله تعالى عنّا وعنه ــ اطّرح الأول، وحاول التخلص من الثاني بافتراض خارقة أخرى، هي الرمي من السماء. والسورة والواقعة تستغيثان: دع لنا خارقتنا، وخلاك ذمّ:
ألا ليس لي في غير داريَ حاجةٌ ... فحَسْبيَ نَصْرًا منك تركي وداريا
الوجه الثاني: أن المعروف استعمال المجاز المذكور في الخطاب بلفظ الجمع، كما في الآيات، ولم أره بلفظ الواحد. وهو أن النسبة إلى كل فرد في نحو "ولو ترى" أظهر في العموم منها في نحو "فعلتم". والعموم في نحو "فعلتم" يضعف إذا كان الخطاب لقبيلة وقوم، لكثرة ما يأتي بمعنى "فعل بعضكم"، أو "فعل أسلافكم".
فإن قلت: قد أسلفت أن معنى قوله تعالى {أَلَمْ تَرَ}: "قد علمت"، وأنه لكل من يصلح للخطاب، وأنه لا يقدح فيه أن مِن الأفراد مَن لم يعلم.
قلتُ: ذاك لأن في الكلام [ص ٥٣] هناك مبالغة، وهو كناية عن ظهور الواقعة واشتهارها، كما تقدم، ولا يتأتى مثل ذلك في "ترمي" على زعم أنه خطاب.