للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الفخر فإن العرب لا ترى رمي العدوّ بالحجارة فخرًا، بل قال الأعشى (١):

ولا نُقاتل بالعِصِيـ ... يِ ولا نُرامي بالحجاره

مع أن المقام ليس مقام مدح ولا ذم.

فإن قلتَ: قد يقال إن الخطاب في {تَرْمِيهِمْ} جاء تبعًا للخطاب في {أَلَمْ تَرَ}، فيقبل هذا بشفاعة ذاك.

قلتُ: إنما يسوغ هذا لو كان الخطاب في {أَلَمْ تَرَ} من هذا الأسلوب، وهو أن ينسب إلى الأبناء ما وقع من الآباء، وليس كذلك، فإن {أَلَمْ تَرَ} بمعنى "قد علمت"، والعلم ثابت للمتأخر نفسه.

فإن قيل: فاجعل الرؤية بصرية على ظاهرها، فيكون المعنى: "قد أبصرت"، كما في قوله في آيات البقرة التي تقدم التمثيل بها: {وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ} [البقرة: ٥٠].

قلتُ: هذا إنما يقوم على دعوى أن يكون قوله {أَلَمْ تَرَ} من هذا الأسلوب، أعني أن ينسب إلى الأبناء ما وقع للآباء، فيرِد عليه الوجهان السابقان، وثالث وهو مخالفته لظاهر ارتباط السورة بما قبلها ببنائها على الوعيد والتهديد.

[ص ٥٥] واعلم أنّ المعلِّم رحمه الله إنما اعتنى بتطبيق ما قاله من الخطاب في {تَرْمِيهِمْ} على الخطاب في {أَلَمْ} لأن السورة كلام واحد،


(١) الخزانة (١/ ٨٣). [المؤلف]. طبعة هارون (١/ ١٧٣)، وانظر: ديوان الأعشى (٢٠٩).