للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وما بعد الآية الأخرى تفسير لها. والكلام الواحد إذا كان في أوله خطاب، ثم تلاه خطاب آخر، فلا يكون الثاني إلا للمخاطب بالأول، إلّا أن يكون الثاني أعمّ من الأول، كقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ} [الطلاق: ١]، أي إذا طلقت أنت أو أحد من أمتك.

ومثلها قوله تعالى: {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (٨) لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا} [الفتح: ٨ ــ ٩]. والنبي صلى الله عليه وآله وسلم مكلّف بالإيمان بأنه رسول الله. والتعزير هنا: النصر، كما روي عن جابر مرفوعًا (١). والتوقير: التعظيم، كما روي عن قتادة وغيره (٢). والضميران عائدان إلى الله عزَّ وجلَّ، كما هو الحال في قوله: {وَتُسَبِّحُوهُ}.

وفي الآية وجوه أخرى تنفي ما توهمه بعضهم من مخالفة القاعدة المذكورة (٣).

فأما قوله تعالى: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (١٣) فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [هود: ١٣ ــ ١٤]، فالخطاب في قوله: {فَأْتُوا} وما بعده كله للكفار، والمعنى كما هو ظاهر:


(١) أخرجه ابن عدي، وابن مردويه، والخطيب، وابن عساكر في تاريخه. قاله السيوطي في الدر المنثور (٧/ ٥١٦) ط دار الفكر.
(٢) المرجع السابق، وتفسير الطبري (٢١/ ٢٥١) ط دار هجر.
(٣) راجع: روح المعاني (٨/ ١٤٣).