فإن قيل: قد يحمل قوله: {تَرْمِيهِمْ} على معنى "يرميهم قومك"، على ما تقدم في الخطاب، وعليه فقد يمكن السؤال المذكور من كثير من أهل مكة الموجودين عند نزول السورة، لأنهم لم يدركوا الواقعة.
قلت: قد تقدم ردّ هذا التأويل في الكلام على الخطاب. ومع ذلك فهو يقتضي أن أهل مكة لم يكونوا يعرفون كيف هلك القوم. فإنهم كانوا يرون أنهم هلكوا برمي الطير كما تقدم غير مرّة. ولو كان من آبائهم رمي وكان هلاك القوم به في الظاهر لما خفي عليهم، مع ما جرت به عادتهم من حفظ وقائعهم.
والضربة القاضية على هذا أنّ أول السورة {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ}، ومعناه كما يعترف به المؤلف:"قد علمت كيف فعل ربّك بأصحاب الفيل علمًا مساويًا لعلم المشاهد". فإن لم يكن أهل مكة عند نزول السورة عالمين بكيفية الواقعة، فليت شعري مَنْ عسى أن يكون عالمًا بها حتى يخاطَب بما ذكر، فتدبَّرْ.
فإن قيل: إنّك جوَّزت الاستئناف على معنى "ترميهم الطير"، وهذا الوجه يرد عليه أيضًا.
قلتُ: إنّما جوَّزتُه على أن يكون السؤال ممن لم يعلم بالواقعة كأهل البلدان البعيدة عن مكة وأهل العصور المتأخرة. وقد مرّ الجواب [ص ٦٢] عن دخولهم في الخطاب بقوله: {أَلَمْ تَرَ} مع جهلهم، فلا تغفل، على أني بينت أنه مع ذلك ضعيف.