هذا، وقد جاء الشرع بعدم قبول شهادة النساء في الحدود ولو كُنّ من ذوات العدالة. ومعلوم أن عدم قبولهن ليس لأجل التهمة، بل له حكمة أخرى لا يضرها أن لا يفهمها بعض الناس بل ولا جميعهم.
أما الشهادة للفرع والأصل والزوج، فمختلف فيها، فإذا بنينا على عدم القبول، فالجواب نحو ما تقدم.
فأما الشهادة على العدوّ، فالقائلون بأنها لا تُقبل يخصّون ذلك بالعدواة الدنيوية التي تبلغ أن يحزن لفرحه، ويفرح لحزنه، فأما العداوة الدينية والدنيوية التي لم تبلغ ذاك المبلغ، فلا تمنع من القبول عندهم.
والمنقول عن أبي حنيفة ــ كما في كتب أصحابه ــ أن العداوة لا تقتضي رد الشهادة إلا أن يبلغ أن تسقط بها العدالة.
أقول: وإذا بلغت ذلك لم تقبل شهادة صاحبها حتى لعدوِّه على صديقه. ويقوِّي هذا القول أن القائلين بعدم القبول يشترطون أن تبلغ أن يحزن لفرحه، ويفرح لحزنه، وهذا يتضمن أن يفرح لذبح أطفاله ظلمًا، وللزنا ببناته [ص ٢٢] وارتداد زوجاته، ونحو ذلك. وقس على ذلك الحزن لفرحه. وهذا مسقط للعدالة حتمًا.
فإن قيل: قد يفرح بذلك من جهة أنه يُحْزِن عدوَّه، ومع ذلك يَحزن من جهة مخالفته للدين.
قلت: إن لم يغلب حزنه فرحه فليس بعدل، وإن غلب فكيف يظن به أن يوقع نفسه في شهادة الزور التي هي من أكبر الكبائر، وفيها أعظم الضرر