للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ويرجو أنه إن كان على ضلالة فعسى الله تبارك وتعالى أن يعذره. فإذا التفت إلى أهل السنة علم أنهم إن لم يكونوا أولى بالحق منه، فالأمر الذي لا ريب فيه أنهم أولى بالعذر منه، وأحقُّ إن كانوا على خطأ أن لا يضرَّهم ذلك؛ لأنهم إنما يتبعون الكتاب والسنة، ويحرصون على اتباع سبيل المؤمنين، ولزوم سراط المنعَم عليهم: النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه وخيار السلف. فيقول في نفسه: هب أنهم على باطل، فلم يأتهم البلاء من اتباع الهوى وتتبع السبل الخارجة. ولا ريب أن من كانت هذه حاله فإنه لا يكفِّر أهلَ السنة ولا يضلِّلهم، ولا يحرص على إدخالهم في رأيه، بل يشغله الخوف على نفسه، فلا يكون داعية.

فأما غير الداعية؛ فقد مرَّ نقلُ الإجماع على أنه كالسُّنّي، إذا ثبتت عدالته قُبِلت روايته. وقد ثبت عن مالك ما يوافق ذلك، ومن أصحابه مَن ينقل عنه أنه لا يُروى عنه أيضًا، والعمل على الأول. وذهب بعضهم إلى أنه لا يُروى عنه إلا عند الحاجة، وهذا أمر مصلحي لا ينافي قيام الحجة بروايته بعد ثبوت عدالته. وحكى بعضُهم أن غير الداعية إذا روى ما فيه تقوية لبدعته لم يؤخَذ عنه (١).

ولا ريب أن ذلك المرويّ إذا حَكَم أهل العلم ببطلانه فلا حاجة إلى روايته إلا لبيان حاله. ثم إن اقتضى جرح صاحبه بأن ترجّح أنه تعمّد الكذب أو أنه متهم بالكذب عند أئمة الحديث سقط صاحبه البتة، فلا يؤخذ عنه ذاك ولا غيره، وليس هذا خاصًّا بالمبتدع. وإن ترجّح أنه إنما أخطأ، فلا وجه


(١) انظر للأقوال في المسألة "علوم الحديث" (ص ١١٤ - ١١٥) لابن الصلاح، و"فتح المغيث": (٢/ ٥٨ - ٧٠).