للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الحديث في الكوفة: أن النبي عليه السلام قال لعلي: "أنت مِنّي بمنزلة هارون من موسى" (١).

وإلى هذا أشار ابن دقيق العيد.

وقد يقال: لعل الجوزجاني لم يرد بذكر الاتهام إثبات أنهم أحقاء أن يتهموا، وإنما أراد أنه ينبغي أن لا يُروى ذلك عنهم خشية أن يسمعه من لا يعرف حالهم فيتهمهم، فيضر ذلك بهم وبمروياتهم، أو يقال: لم يرد الاتهام القادح وإنما أراد ما يوقعه موافقة ظاهر الخبر لمذهب راويه من الارتياب، وذلك كما إذا شهد رجلان لأخيهما، فإن القاضي يرتاب في شهادتهما، وقد يبقى أثر الريبة بعد أن يُعدَّلا، فكما أن للقاضي أن يقول للمدَّعي: زدني شهودًا، وإن كان إذا لم يجد المدعي غير أخويه يلزم القاضي أن يقضي بشهادتهما.

وإذا سمى المدّعي شهودَه قبل أن يحضرهم، فسمى أخويه ورجالًا آخرين، فللقاضي أن يقول له: جئني بالذين سميتهم غير أخويك. فكذلك لأهل الحديث أن يعرضوا عما يرويه المبتدع الثقة مما يوافق ظاهره بدعته؛ لأن ذاك الارتياب ــ وإن كان لا ينافي ثبوت الخبر ــ قد أوقع فيه بعض الوهن، ومع ذلك فلا داعي إلى روايته، إذ الغرض أنه إنما يقضي بظاهره موافقة بدعة الراوي، فليس في روايته إلا مساعدة تلك البدعة، فيحتاج أهل السنة إلى تأويله وصرفه عن ظاهره، فالأولى أن لا يُروى رأسًا.

وهذا المعنى في نظري أحسن ما تُحْمَل عليه عبارة الجوزجاني.


(١) أخرجه البخاري (٣٧٠٦)، ومسلم (٢٤٠٤) من حديث سعد بن أبي وقاص.