وقد يحمل كلامه على معنى أن من أتى منهم بمنكر، أو بما يقوِّي به بدعته ــ وحقه أن يتهم فيه ــ فإنه يُترك ألبتة، ولا يُروى عنه ذلك الحديث، ولا غيره؛ لخروجه بذلك عن حَدِّ أن يكون صدوق اللهجة مأمونًا في روايته، ويأتي عن ابن حجر ما يظهر منه أنه حمل عبارة الجوزجاني على هذا المعنى.
[ص ٢٧] هذا والمنقول عن كبار أئمة السنة في شأن المبتدع إنما هو الامتناع والمنع من السماع منه والرواية عنه، وأكثرهم يخصُّون ذلك بالداعية، ومع ذلك فقد روى بعضُهم عمن جاء أنه كان داعية، ولم أرَ في نصوصهم ما يبين العلة، واختلف من بعدهم؛ فمنهم من قال: إن العلة هي كراهية ترويج البدعة، وعلى هذا فما دعت الحاجةُ إلى روايته عن المبتدع، فينبغي أن يروى عنه، كما مرَّ عن ابن دقيق العيد (١).
وهذه العلة إنما تَقْوَى في الداعية؛ لأن أهل العلم إذا لم يمتنعوا ويمنعوا الناس من السماع منه، قَصَده الناسُ ليسمعوا منه، فدعاهم إلى بدعته ورغَّبهم فيها، وإذا لم يمتنع أهل العلم ويمنعوا الناس من الرواية عن الداعية لم يمتنع الناس من قصده، أو قصد مثله للسماع منه.
[ص ٢٨] ومنهم من قال: إن العلة هي أن المبتدع فاسق، وكثير من أهل العلم يستبعدون هذا بأن المبتدع قد يكون مخطئًا، غير مقصِّر تقصيرًا يعتدّ به، وقد قال الله عز وجل:{لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا}[البقرة: ٢٨٦]، في آيات أخرى.