للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأسلم ما يجاب به عن هذا: أن حجج السنة في العقائد ونحوها ظاهرة، فالمبتدع إما غير معتدٍّ بها، كما يقول غُلاة المتكلمين: إن النصوص القرآنية والسنية لا تصلح حجة في صفات الله عز وجل، ونحوها من العقائد، وإما متهاون بها مسرف في إيثار هواه إيثارًا شديدًا لا يُعْذَر فيه، فإن لم يظهر كفرُه فعلى الأقل يتبين فسقه.

أقول: ولك أن تنزل عن هذا فتقول: فإن لم يتبين فسقه فعلى الأقل لا يوثَق بعدالته، فلا يمكن تعديله.

ومن يخص الداعية له أن يقول: قد يجوز أن تَقْوَى الشبهةُ في نفس من ليس بمؤثرٍ هواه إيثارًا شديدًا، ولكنه لا بد أن يبقى في نفسه تردد يحمله على أن يعذر مخالفيه فيما زاغ فيه، ويخشى أن يكون هو المخطئ لا هم، ويرى أنهم إن كانوا هم المخطئين فلم يأتهم ذلك من خارج، وإنما أتاهم من جهة وقوفهم عند ما فهموه من النصوص لقوة إيمانهم بها، واعتمادهم عليها.

فمن تعدَّى هذا الحدّ، وضلَّل أهلَ السنة، ودعا إلى بدعته فقد بان عناده، وانقطع عذرُ من يحاول أن يعذره. ويشير إلى هذا قول مسلم رحمه الله في "مقدمة صحيحه" (١) إذ قال: "اعلم ــ وفقك الله ــ أن الواجب على كل أحدٍ عرف التمييز بين صحيح الروايات وسقيمها، وثقات الناقلين لها من المتهمين: أن لا يروي منها إلا ما عرف صحة مخارجه، والستارة في ناقليه، وأن يتقي منها ما كان عن أهل التهم والمعاندين من أهل البدع.

والدليل على أن الذي قلنا في هذا هو اللازم دون ما خالفه: قول الله


(١) (١/ ٨).