أقول: وهذا مما أوافقه عليه، وقد أفضتُ في شرح هذا في ترجمة ابن حبان من «التنكيل»(١)، وبينتُ أن توثيقه لمن لم تثبت معرفته له لا يرفع عنه الجهالة، وذكرتُ حالَ غيره من الأئمة.
ثم قال الأستاذ (ص ١٥): «ومنها: أنه تقرَّر عند أهل العلم أن فاقد الشيء لا يعطيه».
أقول: هذا مما أوافقه عليه، على معنى أنّ مَن ثبت أنه ليس بثقة، فلا يقبل منه توثيق لغيره، لكن بنى الأستاذ على هذا قوله:«فأمثال أبي نعيم، والبيهقي، والخطيب، ممن ثبتت شدة تعصبهم الموجبة لرد أنبائهم فيما يمس تعصبهم= لا يقبل قولهم في توثيق رجال المثالب».
أقول: هذا لا أوافق عليه، بل أقول: مَن ثبت عند أهل العلم المتثبِّتين الذين لم يغلب عليهم سلطان الهوى أنه بلغ من حاله في الوقوع في غيره ما يُسقط عدالتَه، فهو مجروح لا يقبل توثيقه لموافقٍ ولا مخالف. غايةُ الأمر أن يُستأنس بثنائه على مخالفه استئناسًا.
فأما مَنْ لم يبلغ ذلك، ولكن عُرِف بمَيلٍ، فإنما يجب التثبُّت في قوله الذي يوافق ميله، ويُتَروَّى فيه، فإن ظهر ما يدلّ على خطائه أو تساهله أو تسرُّعه، وخالفه مَنْ هو مثله في العلم والفضل، أو أقوى منه= ترجح قول المخالف.
وأما إذا لم يكن هناك مرد لقوله إلا اتهامه بأنه كذب أو تعمَّد الحكمَ بالباطل؛ فلا سبيل إلى هذا بعد تسليم أنه ثقة في نفسه.