للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هذا مع أن رواية أنس في الرَّضْخ (١) تشهد لها أربع آيات من كتاب الله عز وجل، بل أكثر من ذلك كما يأتي في "الفقهيات" (٢) إن شاء الله تعالى، ومعها القياس الجلي. ولا يعارض ذلك شيء إلّا أن يقال: إن عقلية أبي حنيفة الجبارة كافية لأن يقدَّم قوله على ذلك كله.

وعلى هذا فينبغي للأستاذ أن يتوب عن قوله في "التأنيب" (ص ١٣٩) عند كلامه على ما رُوي عن الشافعي من قوله: أبو حنيفة يضع أول المسألة خطأ ثم يقيس الكتاب كله عليها. قال الأستاذ هناك: "ولأبي حنيفة بعض أبواب في الفقه من هذا القبيل. ففي كتاب الوقف أخذ بقول شريح القاضي، وجعله أصلًا، ففرّع عليه المسائل، فأصبحت فروع هذا الباب غير مقبولة، حتى ردَّها صاحباه. وهكذا فعل في كتاب المزارعة حيث أخذ بقول إبراهيم النخعي، فجعله أصلًا ففرَّع عليه الفروع ... ".

إلا أن يقول الأستاذ: إن أبا حنيفة لم يستعمل عقليته الجبارة في تلك الكتب أو الأبواب، وإنما قلّد فيها بعضَ التابعين كشريح وإبْراهيم. فعلى هذا يختصّ تقديم العقلية الجبارة بما قاله من عند نفسه، فعلى هذا نطالب الأستاذ أن يطبق مسألة القَوَد على هذه القاعدة.

أما نحن فلا نعتد على أبي حنيفة بقول الأستاذ، ولا بحكاية أبي شامة الشافعيّ الذي بينه وبين أبي حنيفة نحو خمسمائة سنة، بل نقول: لعل أبا حنيفة لم يرغب عن انفراد أحد من الصحابة، بل هو موافق لغيره في أن


(١) أخرجه البخاري (٥٢٩٥) ومسلم (١٦٧٢).
(٢) (٢/ ١٢٨ - ١٣٠).