للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

انفراد الصحابيّ مقبول على كلّ حال؛ وإنما لم يأخذ ببعض الأحاديث، لأنه لم يبلغه من وجهٍ يثبت، أو لأنه عارضه من الأدلة الشرعية ما رآه أرجح منه. وإذا كان يأخذ برأي رجل من التابعين، فيجعله أصلًا لباب عظيم من أبواب الشرع، كشريح في الوقف، وإبْراهيم في المزارعة= فكيف يرغب عن سنة لتفرّد بعض الصحابة بها؟ ثم راجعت "المؤمل" (١) فرأيت عبارته تُشعر بأن الكلام فيما تفرّد أنس ومن معه يقوله برأيه، لا في ما كان روايةً عن النبي - صلى الله عليه وسلم -.

فأما التحرّي البالغ، فإن كان هو الذي يؤدّي إلى قبول ما حقُّه أن يُقبَل ورَدِّ ما حقُّه أن يُرَدَّ، [١/ ١٥] فلا موضع له هنا. وإن كان هو الذي يؤدّي إلى قبول ما حقُّه الردُّ، كرأي شريح في الوقف، ورأي إبْراهيم في المزارعة؛ وإلى ردِّ ما حقُّه القبول، كما يتفرّد به بعض الصحابة ولا يعارضه من الأدلة الشرعية ما هو أقوى منه، أو كردِّ حديث الرّضْخ مع شهادة القرآن والقياس الجليّ له= فهذا إن وقع ممن لم يقف على الأدلة المخالفة له أو ذَهَل عنها وعن دلالتها، له اسم آخر لا يضر صاحبه إن شاء الله. وإن وقع ممن عرف ذلك كلّه، فهو تجرٍّ بالجيم لا تحرٍّ بالحاء، أو قل: تحرٍّ للباطل، لا للحق.

فإن كان المقصود التخييل الشعري فيستطيع من يردُّ انفرادَ الصحابي ــ


(١) (ص ٦٢ - ٦٣ ت مقبول)، وهذا النص ليس في الطبعة الجديدة، بتحقيق د. جمال عزّون (ص ١٣٣ - ١٣٤)، فهل سقط منها أو ليس في الأصول التي اعتمدها؟
وقد نقد المؤلف هذا الخبر في "الأنوار الكاشفة" (ص ٢٤١ - ٢٤٢) ثم قال ــ بما يؤيد كلامه هنا ــ: "والحكاية لا تتعرض للأحاديث التي يرويها الصحابة، وإنما تتعلّق بقول الصحابي الموقوف عليه هل يجوز لمن بعده مخالفته برأيه؟ فحاصلها أن أبا حنيفة يقول: إنه لا يخالف قول أحدٍ من الصحابة برأيه سوى أولئك الثلاثة .. ".