للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فأُتي بأبي سفيان ورهطٍ معه. قال: "ثم دعاهم ودعا ترجمانه فقال: أيكم أقرب نسبًا بهذا الرجل الذي يزعم أنه نبي؟ قال أبو سفيان: قلت: أنا أقربهم نسبًا. قال أدنُوه مني، وقرِّبوا أصحابه، فاجعلوهم عند ظهره. ثم قال لترجمانه: قل لهم: إني سائل هذا عن هذا الرجل، فإن كذَبني فكذِّبوه. قال: فوالله لولا الحياء من أن يأثُروا عليَّ كذبًا لكذبتُ عليه". قال ابن حجر في "فتح الباري" (١): "وفي قوله: "يأثروا" دون قوله "يكذبوا" دليل على أنه كان واثقًا منهم بعدم التكذيب أن لو كَذَب؛ لاشتراكهم معه في عداوة النبي صلى الله عليه وآله وسلم؛ لكنه ترك ذلك استحياءً وأنَفَةً من أن يتحدّثوا بعد أن يرجعوا، فيصير عند سامعي ذلك كذابًا. وفي رواية ابن إسحاق التصريحُ بذلك".

أقول: وهذا هو الذي أراده هرقل. ثم جاء [١/ ٢٩] الإسلام، فشدَّد في تقبيح الكذب جدًّا حتى قال الله عز وجل: {إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ} [النحل: ١٠٥]. ورُوي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن رجلًا كذب عليه، فبعث عليًّا والزبير، وقال: "اذهبا، فإن أدركتماه فاقتلاه" (٢).


(١) (١/ ٣٥).
(٢) بهذا اللفظ أخرجه عبد الرزاق في "المصنف": (٥/ ٣٠٨) عن معمر عن رجل عن سعيد بن جبير مرسلًا، وفي إسناده رجل لم يسمّه. وأخرجه بنحوه الطبراني في "طرق حديث من كذب عليّ" (١٧٨) وابن الجوزي في "الموضوعات" (٤٤) عن عطاء بن السائب عن عبد الله بن الحارث. وروي بألفاظ وطرق أخرى كلها ضعيفة. قال الذهبي: "لم يصح بوجه". وأخرجه ابن شاهين في "الناسخ والمنسوخ" (٥٥٠)، وابن عدي في "الكامل": (٤/ ٥٣ - ٥٤) وابن الجوزي في "الموضوعات" (٤١، ٤٢) من طريقهما من حديث بريدة مرفوعًا في سياق أطول. وفي سنده صالح بن حيان وهو ضعيف.