للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وتوهَّم رجل من صغار الصحابة أمرًا، فأخبر بما توهّمه وما يقتضيه، ففضحه الله عز وجل إلى يوم القيامة، إذ أنزل فيه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} (١) [الحجرات: ٦].

ثم كان الصحابيُّ يرى من إكرام التابعين له وتوقيرهم وتبجيلهم ما لا يخفى أثره على النفس، ويعلم أنه إن بان لهم منه أنه كذب كذبة سقط من عيونهم، ومقتوه، واتهموه بأنه لم يكن مؤمنًا، وإنما كان منافقًا.

وقد كان بين الصحابة ما ظهر واشتهر من الاختلاف والقتال، ودام ذلك زمانًا، ولم يبلغنا عن أحد منهم أنه رمى مخالفه بالكذب في الحديث. وكان التابعون إذا سمعوا حديثًا من صحابي سألوا عنه غيره من الصحابة، ولم يبلغنا أن أحدًا منهم كذَّب صاحبه، غاية الأمر أنه قد يخطِّئه.

وكان المهلَّب بن أبي صُفرة في محاربته الأزارقة يعمل بما رُخِّص فيه للمحارب من التورية الموهمة، فعاب الناس عليه ذلك حتى قيل فيه:

أنت الفتى كلُّ الفتى ... لو كنتَ تصدق ما تقولُ (٢)

ثم كان الرجل من أصحاب الحديث يرشَّح لطلب الحديث وهو طفل،


(١) وهي قصة الوليد بن عقبة لما أرسله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الحارث الخزاعي لأخذ الزكاة، أخرجه أحمد (١٨٤٥٩)، والطبراني في "الكبير" (٣٣٩٥) وغيرهما، وفي سنده كلام، وله شواهد يعتضد بها. وانظر حاشية المسند (٣٠/ ٤٠٥).
(٢) انظر "الكامل" (١٢٤٩). والبيت لزياد الأعجم. انظر "الشعر والشعراء" (٤٤٣).