يحتمل من تلفها، أو أنه ردَّها على صاحبها الذي قد مات، لَما اتهمناه. نعم قد يتهمه مَن لا يعرفه كمعرفتنا، أو من لا يعرف قدر تأثير الموانع عن الخيانة في نفس من قامت به. فالفاسق المتهتك لا يعرف قدر العدالة، فتراه يتهم العدول، ولا يكاد يعرف عدالتهم، ولو كانوا جيرانه.
فإن قيل: يكفي في التعليل أن ذلك مظنة التهمة، ولا يضر تخلُّفها في بعض الأفراد، كما قالوا في قصر الصلاة في السفر: إنه لأجل المشقة وإن تخلفت المشقة في بعض المسافرين كالمَلِك المترَفِّه. قلت: العلة في قصر الصلاة هي السفر بشرطه لا المشقَّة، فكذلك تكون العلة في رد الشهادة للنفس هي أنها شهادة للنفس، أو دعوى كما يومئ إليه حديث:"لو يُعطى الناسُ بدعواهم لادّعى ناسٌ دماءَ رجالٍ وأموالهم ... "(١).
فعلى هذا لا يتأتَّى القياس، ألا ترى أن في أعمال العمّال المقيمين ما مشقَّته أشدّ من مشقة السفر العادي، ذلك كالعمل في المناجم ونحوها، ومع ذلك ليس لهم أن يقصروا الصلاة؟
فإن قيل: الشهادة للأصل والفرع مظنة للتهمة، كما أن الشهادة للنفس مظنة لها. قلت: فالعمل في المناجم مظنة للمشقة، بل المشقة فيه أشقّ وأغلب، والتهمة في الشهادة للأصل أو الفرع أضعف وأقل من التهمة في الشهادة للنفس، وقد يكون الرجل منفردًا عن أصله أو فرعه وبينهما عداوة.
والشافعي ممن يقول برد الشهادة للأصل والفرع، ولم يعرِّج على
(١) أخرجه البخاري (٤٥٥٢)، ومسلم (١٧١١) مختصرًا من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.