للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رَحِيمٌ} [التوبة: ١٢٨]. وإنما كان يرى من بعض الناس ما يضرهم في دينهم أو يُخِلُّ بالمصلحة العامّة أو مصلحة صاحبه نفسه، فيكره صلى الله عليه وآله وسلم ذلك وينكره، فيقول: "ما له تربت يمينه" (١) ونحو ذلك مما يكون المقصود به إظهار كراهية ما وقع من المدعوّ عليه وشدة الإنكار لذلك. وكأنه ــ والله أعلم ــ أطلق على ذلك سبًّا وشتمًا على سبيل التجوُّز بجامع الإيذاء. فأما اللعن فلعله وقع الدعاء به نادرًا عند شدة الإنكار. ومن الحكمة في ذلك إعلام الناس أن ما يقع منه صلى الله عليه وآله وسلم عند الإنكار كثيرًا ما يكون على وجه إظهار الإنكار والتأديب، لا على وجه الحكم. وفي مجموع الأمرين حكمة أخرى، وهي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد علم من طباع أكثر الناس أن أحدهم إذا غضب جرى على لسانه من السبّ والشتم واللعن والطعن ما لو سُئل عنه بعد سكون غضبه لقال: لم أقصد ذلك ولكن سبقني لساني، أو لم أقصد حقيقته ولكني غضبت. فأراد النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن ينبه أمته على هذا الأصل ليستقر في أذهانهم، فلا يحملوا ما يصدر عن الناس من ذلك حالَ الغضبِ على ظاهره جزمًا.

وكان حذيفة ربما يذكر بعض ما اتفق من كلمات النبي صلى الله عليه وآله وسلم عند غضبه، فأنكر سلمان الفارسي ذلك على حذيفة رضي الله عنهما، وذكر هذا الحديث (٢). وسئل بعض الصحابة ــ وهو أبو الطفيل


(١) بهذا اللفظ أخرجه أبو يعلى (٤٢٢٠)، وأخرجه أبو داود (١٨٦) وأحمد (١٨٢١٢) وغيرهما بلفظ: "تربت يداه" من حديث المغيرة بن شعبة، وأخرجه أحمد (١٢٦٠٩) بلفظ: "تربت جبينه" من حديث أنس بن مالك.
(٢) أخرجه أحمد (٢٣٧٢١) وأبو داود (٤٦٥٩).