للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عامر بن واثلة ــ عن شيء من ذلك، فأراد أن يخبر، وكانت امرأته تسمع، فذكَّرتْه بهذا الحديث، فكفَّ (١). فكذلك ينبغي لأهل العلم أن لا ينقلوا كلمات العلماء عند الغضب، وأن يراعوا فيما نُقل منها هذا الأصل.

بل قد يقال: لو فُرض أن العالم قصد عند غضبه الحكم لكان ينبغي أن لا يعتدَّ بذلك حُكْمًا. ففي "الصحيحين" (٢) وغيرهما عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: "لا يقضينَّ حَكَمٌ بين اثنين وهو غضبان" لفظ البخاري. والحكم في العلماء والرواة يحتاج إلى نظر وتدبُّر وتثبُّت أشدَّ مما يحتاج إليه الحكم في كثير من الخصومات. فقد تكون الخصومة في عشرة دراهم، فلا يخشى من الحكم فيها عند الغضب إلا تفويت عشرة [١/ ٥٤] دراهم. فأما الحكم على العالم والراوي، فيخشى منه تفويت علم كثير، وأحاديث كثيرة، ولو لم يكن إلا حديثًا واحدًا لكان عظيمًا.

ومما يخرج مخرج الذم لا مخرج الحكم: ما يقصد به الموعظة والنصيحة. وذلك كأن يبلغ العالِمَ عن صاحبه ما يكرهه له، فيذمه في وجهه أو بحضرة من يبلغه، رجاء أن يكفَّ عما كرهه له. وربما يأتي بعبارة ليست بكذب، ولكنها خشنة موحشة، يقصد الإبلاغ في النصيحة، ككلمات الثوري في الحسن بن صالح بن حيّ (٣)، وربما يكون الأمر الذي أنكره أمرًا لا بأس


(١) أخرجه الطبراني في "الأوسط" (٢٣٠٩) وقال الهيثمي في "المجمع": (٨/ ٤٧٩): "فيه عبد الوهاب بن الضحاك وهو متروك".
(٢) البخاري (٧١٥٨) ومسلم (١٧١٧) من حديث أبي بكرة رضي الله عنه.
(٣) انظر "تهذيب التهذيب": (٢/ ٢٨٥).