فأما الثالثة: فإن كان القاضي لا يقبل شهادة من لم يعدَّل، فأي فائدة في استفسار الجارح؟ وإن كان يقبلها فلضعفها يكفي الجرح المجمل.
وأما الثانية: فقد يكثر الجارحون فيغلب على الظن صحة جرحهم وإن أجملوا، وقد لا تحصل غلبة الظن إلا بالدرجة الثانية من الجرح وهي بيان السبب، وقد لا تحصل إلا بأزيد منها مما مر بيانه. وإذا كان القاضي متمكِّنًا من الاستفسار لحضور الجارح عنده، أو قُرْبه منه، فينبغي أن يستوفيه على كل حال؛ لأنه كلما كان أقوى كان أثبت للحجة وأدْفَع للتهمة.
وأما الأولى: فينبغي أن لا يكفي فيها جرح مجمل ولو مع بيان السبب، بل يحتاج إلى بيان المستند بما يدفع ما يحتمل من الخلل.
وأما الراوي فحاله مخالفة للشاهد فيما نحن فيه من أوجه:
الأول: أن الذين تكلّموا في الرواة أئمة أجلّة، والغالب فيمن يجرح الشاهد أن لا يكون بتلك الدرجة ولا ما يقاربها.
الثاني: أن الذين تكلموا في الرواة منصبهم منصب الحكّام، وقد قال الفقهاء: إن المنصوب لجرح الشهود يُكتفى منه بالجرح المجمل.
الثالث: أن القاضي متمكّن من استفسار جارح الشاهد كما مرّ، والذين جرحوا الرواة [١/ ٦١] يكثر في كلامهم الإجمال، وأن لا يستفسرهم أصحابهم، ولم يبقَ بأيدي الناس إلا نقل كلامهم، ولم يزل أهل العلم يتلقّون كلماتهم ويحتجون بها.
وبعد أن اختار ابن الصلاح اشتراط بيان السبب قال: "ولقائل أن يقول: