وتبيّن له استقامتها. وقد علمنا مكانة البخاري، وسعة اطلاعه، ونفوذ نظره، وشدّة احتياطه في "صحيحه". وقس على ذلك، وراجع ما تقدم في القواعد السابقة. والله الموفق.
هذا وقد تعرَّض ابنُ السبكي في ترجمة أحمد بن صالح من "طبقات الشافعية"(١) لهذه القاعدة، وزاد فيها فقال:"فنقول مثلًا: لا يُلتفت إلى كلام ابن أبي ذئب في مالك، وابن معين في الشافعي، والنسائي في أحمد بن صالح؛ لأن هؤلاء أئمة مشهورون، صار الجارح لهم كالآتي بخبر غريب لو صحَّ لتوفرت الدواعي على نقله، وكان القاطع قائمًا على كذبه ... ومعنا أصلان نستصحبهما إلى أن نتيقن خلافهما: أصل عدالة الإمام المجروح ... ، وأصل عدالة الجارح ... فلا نلتفت إلى جرحه، ولا نجرحه بجرحه. فاحفظ هذا المكان فهو من المهمات ... فنحن نقبل قول ابن معين ... ولا نقبل قوله في الشافعي، ولو فسَّر وأتى بألف إيضاح؛ لقيام القاطع على أنه غير مُحِقٍّ بالنسبة إليه".
أقول: هوَّل على عادته، والإنصاف أن الشافعي لم يكن معصومًا، ولم يقم القاطعُ اليقينيُّ على أنه لم يقع منه ما إذا وقع من الرجل صح أن يُجرح به. ولم يكن الشافعي طول عمره في جميع أحواله لا يزال بحضرته جمٌّ غفير، تقضي العادةُ حتمًا بأنه لو وقع منه شيء مما ذُكِر لتوفّرت الدواعي على نقله. نعم، لو فرضنا أن الجارح ذكر أمرًا يصح أن يقال فيه: لو وقع لتوفرت الدواعي على نقله تواترًا، ولم يكن ذلك، فإنه لا يقبل منه. ولو أن السبكيَّ