للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

صنيع أهل العلم تبين له أنهم كثيرًا ما يقدّمون الجرح الذي لم يُشرح كل الشرح على التوثيق، كما في حال إبراهيم بن أبي يحيى والواقدي وغيرهما. وكثيرًا ما يقع للبخاري وغيره القدحُ فيمن لم يدركوه، وقد سبق أن عدَّله معدِّل أو أكثر، ولم يسبق أن جرحه أحد.

فأقول: الذي يتحرر أن للعدالة جهتين:

الأولى: استقامة السيرة. وثبوت هذا بالنظر إلى هذه القاعدة يظهر (١) فيمن تظهر عدالته، ويعدَّل تعديلًا معتمدًا، وتمضي مدة، ثم يجرح. فأما ما عدا ذلك فالمدار على الترجيح، وقد مرَّ في القاعدة السابقة.

الجهة الثانية: استقامة الرواية. وهذا يثبت عند المحدِّث بتتبعه أحاديثَ الراوي، واعتبارِها، وتبيُّنِ أنها كلّها مستقيمة تدل على أن الراوي كان من أهل الصدق والأمانة. وهذا لا يتيسر لأهل عصرنا، لكن إذا كان القادحون في الراوي قد نصوا على ما أنكروه من حديثه، بحيث ظهر أن ما عدا ذلك من حديثه مستقيم، فقد يتيسر لنا أن ننظر في تلك الأحاديث؛ فإذا تبين أن لها مخارج قوية تدفع التهمة عن الراوي فقد ثبتت استقامة روايته.

وقد حاولتُ العمل بهذا [١/ ٧٧] في بعض الآتين في قسم التراجم كالحارث بن عمير والهيثم بن جميل (٢). فأما ما عدا هذا، فإننا نحتاج إلى الترجيح، فقد يترجح عندنا استقامة رواية الرجل باحتجاج البخاري به في "صحيحه"؛ لظهور أن البخاري إنما احتجَّ به بعد أن تتبع أحاديثه وسَبَرها


(١) (ط): "تظهر".
(٢) انظر رقم (٦٨ و ٢٦٣).