لم يكن في أصوله»، ولم يقل:«بما لم يكن من حديثه» أو نحو ذلك، فدل هذا على احتمال أن يكون ما حدَّث به من ذلك الكتاب كان من حديثه أو روايته، وإن لم يكن في أصوله. وذلك كأن يكون سمع شيئًا فحفظه، ولم يثبته في أصله، ثم رآه في كتاب غيره كما حفظه، فحدَّث به. أو يكون حضر سماع ثقة غيره في كتاب، ولم يثبت اسمه فيه، ثم رأى ذلك الكتاب وهو واثق بحفظه، فحدَّث منه بما كان سمعه. أو تكون له إجازة بجزء معروف ولا أصل له به، ثم رأى نسخة موثوقًا بها منه، فحدَّث منها.
نعم، كان المبالغون في التحفُّظ في ذاك العصر لا يحدِّث أحدهم إلا بما في أصوله، حتى إذا طولب أبرز أصله. ولا ريب أن هذا أحوط وأحزم، لكنه لا يتحتم جرح من أخلَّ بذلك، إذا كانت قد ثبتت عدالته وأمانته وتيقظه، وكان ما وقع منه محتملًا لوجه صحيح. وقد قال أبو علي ابن الصواف:«كان النجاد يجيء معنا إلى المحدثين، ونعلُه في يده، فيقال له في ذلك، فيقول: أحبُّ أن أمشي في حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حافيًا». وقال أبو إسحاق الطبري:«كان النجاد يصوم الدهر، ويفطر كل ليلة على رغيف ويترك منه لقمة، فإذا كان ليلة الجمعة تصدَّق بذلك [١/ ١١٢] الرغيف، وأكل تلك اللقم التي استفضلها». وكان ابن رزقويه يقول:«النجاد ابن صاعدنا». قال الخطيب:«عنى بذلك أن النجاد في كثرة حديثه واتساع طرقه وأصناف فوائده لمن سمع منه كابن صاعد لأصحابه، إذ كل واحد من الرجلين كان واحد وقته». وقال الخطيب: «كان صدوقًا عارفًا، صنف كتابًا كبيرًا في السنن، وكان له بجامع المنصور حلقة قبل الجمعة للفتوى، وحلقة