للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

القصة (١) التي حكاها. وحاصلها: أنه كان يعرف من عادة الخطيب أنه إذا لقيه بدأه بالسلام، حتى لقيه مرة، فلم يبدأه بالسلام. والظاهر أن النخشبي بدأ هو بالسلام، فردَّ عليه الخطيب، ولم ينبسط إليه؛ فإن النخشبي من أهل العلم، فلم يكن ليترك السلام معتذرًا بأن الخطيب لم يبدأه، مع أن الظاهر أن النخشبي أصغر من الخطيب وإن مات قبله، والسنَّةُ أن الأصغر أولى أن يبتدئ بالسلام. ولو سلَّم على الخطيب فلم يردَّ عليه لحكى ذلك، فإنه أدلُّ على مقصوده، فاستنكر النخشبي من الخطيب أنه لم يبدأه بالسلام، ولا انبسط إليه على عادته، فعدَّ ذلك شبهَ تغيُّر، ومعلوم أن الإنسان قد يعرض له ما تضيق به نفسه مِن هَمٍّ أو غم، أو تفكير في حل مشكل، أو تكدُّر خاطر من سماع مكروه، أو إيذاء مؤذٍ؛ فيقصِّر عما جرت به عادته من الانبساط وحُسن الخلق.

والنخشبي يقول: «لحقني بعض أصحابنا وقال لي: لقيتَ الخطيب سكران؟ » أحسبه يعني بقوله: «أصحابنا» الحنابلة. فكأنه لقي الخطيب بعض العامة الذين يتعاقبون الخطيب ويؤذونه كما سلف، وكأنه آذى الخطيب وأسمعه المكروه، فأعرض الخطيب وتغافل متكدِّرًا، وأسرع في المشي، فمرَّ بالنخشبي ــ وهو حديث عهد بسماع المكروه من بعض أصحابه ــ فلم ينبسط إليه، وكذلك صنع باللاحق. فهذا هو شبه التغير الذي رآه النخشبي، وهو السكر الذي أطلقه ذلك اللاحق (٢). هذا كله دفع للاحتمال، فأما


(١) (ط): «الفقيه» تحريف.
(٢) هذا إذا كانت كلمتا «لقي» و «لحق» في عبارة النخشبي على ظاهرهما، وإلا فيحتمل أن ذلك اللاحق هو المؤذي نفسه. [المؤلف].