فيقول: المجاورون. فيقول: أطبِقْ! ». وبقي على ذلك إلى أن مات، إذ لو كَفَّ قبل موته، لكان الظاهر أن يذكر ذلك تلامذتُه الأجلَّاء، وهم كثير، ولهم حرص على أن يدفعوا عن شيخهم ما عِيب به، فيقول واحد منهم أو أكثر: إنما كان يأخذ للضرورة ثم كفَّ عن ذلك. ولو كان دعلج تلك المدةَ قد اتسعت ثروته وإنفاقه لكان جديرًا بأن يعطي شيخه ما يخلِّصه من انطباق الأخشبَين والمشاحَّة على الدرهم والدرهمين.
وفي «تاريخ بغداد»(ج ٨ ص ٣٩٠) قصة من سخاء دعلج، وفي آخرها أنه سُئل عن ثروته وإنفاقه، فقال:«نشأتُ وحفظتُ القرآن وسمعت الحديث، وكنت أتبزَّز، فوافاني رجل من تجار البحر، فقال لي: أنت دعلج بن أحمد؟ فقلت: نعم. فقال: قد رغبتُ في تسليم مالي إليك لتتَّجر فيه، فما سهَّل الله من فائدة فهي بيننا، وما كان من جائحة كانت في أصل مالي. وسلَّم إليّ البرنامجات بألف ألف درهم ... ولم يزل يتردد إليّ سنة بعد سنة يحمل إليّ مثل هذا، والبضاعة تنمي، فلما كان في آخر سنة اجتمعنا فيها. قال لي: أنا كثير الأسفار في البحر، فإن قضى الله عليّ بما قضاه على خلقه، فهذا المال لك، على أن تتصدَّق منه، وتبني المساجد، وتفعل الخير».
ففي أي سنٍّ ترى اشتهرت أمانة دعلج وديانته وحذقه بالتجارة، حتى يأتمنه تاجرٌ سمع به ولم يعرفه على مثل ذلك المال؟ ويكفيك النظر في عادات الناس، تعلمُ أن الرجل لا يكاد يرسخ في التجارة، ويتوفر رأس ماله، وتسخو نفسه بالإنفاق، إلا بعد الأربعين من عمره، فكيف إذا لاحظتَ أن دعلجًا لم يكن متجرِّدًا للتجارة، بل كان كثير التطواف لسماع الحديث؟ والأ بَّار توفي سنة ٢٩٠ أي: وسنُّ دعلج ثلاثون سنة، وعاش دعلج بعده فوق