وتواريخ المحدثين مدارها على بيان الوفيات، والليث ولد سنة ٩٤، ومات سنة ١٧٥، ومن أشهر شيوخه يزيد بن أبي حبيب المتوفى سنة ١٢٨، وهو أشهر الرواة عن ابن جَزء. وفي «تدريب الراوي»(١) في شرح النوع الستين: «وقال سفيان الثوري: لما استعمل الرواة الكذبَ استعملنا لهم التاريخ» والثوري ولد سنة ٩٧، ومات سنة ١٦١. فيظهر أن البحث والسؤال عن الوفيات قد شُرع فيه في حياة الرواة عن ابن جزء، وهكذا غيره ممن تأخرت وفاته، فلم يكن بين الباحث وبين الصحابي إلا رجل واحد، يسأله، فيُخبره عما أدركه؛ بخلاف الحال في متقدمي الوفاة كأُبيّ بن كعب.
الوجه الثالث: كان الصحابة في عهد أُبيّ بن كعب متوافرين، فلم يكن لطلبة العلم كبير حرص على لقائه؛ لأنهم يجدون غيره من الصحابة، ويرون أنه إن مات لم يَفُتهم شيء لبقاء كثير من الصحابة. وهو لعلمه بذلك لم يكن يبذل نفسه، حتى نُسِب إلى شراسة الخلق، فلعله لم يكن يتجشم لقاءَه إلا ذوو الأسنان. فإذا نظرنا في الرواة عنه، فلم نجد فيهم إلا من كان رجلًا في عهد عمر؛ لم يكن في ذلك دلالة بينة على أنه توفي في عهد عمر.
فأما ابن جزء فكان آخر الصحابة بمصر، فطلبةُ العلم بغاية الحرص على السماع منه؛ لأنهم يرون أنه إن مات لم يجدوا صحابيًّا آخر، ونزلوا طبقة عظيمة. وهو لعلمه بذلك يبذل نفسه لتحديث من يريد أن يسمع منه، صغيرًا كان أم كبيرًا، كما كان سهل بن سعد يقول: «لو متُّ لم تسمعوا أحدًا يقول:
(١) (٢/ ٨٦٦). أخرجه عنه ابن عدي في «الكامل»: (١/ ٨٤).