إمام جليل كوفي كأبي حنيفة، سمع منه وروى عنه. وكذلك في «تاريخ بغداد» عن زُفَر بن الهذيل صاحب أبي حنيفة، وفيه أيضًا (ص ٣٢٥ - ٣٢٦) عن إسماعيل بن حماد بن أبي حنيفة: «ولد جدِّي في سنة ثمانين، وذهب ثابت إلى علي بن أبي طالب ... ». وفي السند نظر، لكن الأستاذ احتجَّ بتلك الرواية في تعليقه على «مناقب أبي حنيفة» للذهبي (ص ٧) فقال: «صحَّ عن إسماعيل بن حماد ... ». وكذلك في «الانتقاء» عن يحيى بن نصر بن حاجب، وهو حنفي توفي سنة ٢١٥. وفي «الانتقاء» آخِر (ص ١٢٣) من طريق أبي يعقوب يوسف بن أحمد بن يوسف المكي الذي يُكثِر الأستاذ من ذكر كتابه والثناء عليه ويعبِّر عنه بابن الدخيل تلميذ العقيلي قال: «سمعت القاضي أبا الحسن أحمد بن محمد النيسابوري قال: وأما أبو حنيفة فلا اختلاف في مولده أنه ولد سنة ثمانين ... ». والنيسابوري هذا متقدم على الذين ذكروا سنة سبعين.
ومن العجب أن الأستاذ قال (ص ٢٠): «قول ابن عبد البر: «وأما أبو حنيفة فلا اختلاف في مولده ... » يدل على أنه لم يطلع على تلك الروايات، وعذره أنه لم يرحل إلى الشرق ... ». ولا أدري أغلط هذا أم مغالطة! فإن ابن عبد البر لم يقل ذلك من عند نفسه، وإنما رواه عن شرقيٍّ متقدم كما رأيت.
وعلى كل حال فتاريخ المولد يثبت ببعض ما ذُكِر فضلًا عن جميعه، ولم يعارض ذلك ما يستحق أن يُلتفت إليه. ولا يبعد أن تكون الأقوال الأخرى إنما بُنيت على رواية بعض تلك الأحاديث الواهية دفعًا لوضوح البطلان عنها كما تقدم في قول من قال: إن وفاة عبد الله بن الحارث بن جزء سنة ٩٧ أو ٩٩، ثم أخذها بعضُ من لم ينظر فيها!