للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إنما نهى عن مجالسته لذلك لَبادَرَ إلى ذكر ذلك دفعًا لحجة خصمه.

والتروّي الذي ذكره الأستاذ لا وجه له، بل ربما يقال: لو كان أبو حنيفة إنما قال بعد أن ألجئ إلى الجواب: «كان يرى القدر» لكان هذا أطلق للسانِ مَن يعيبه، فإنَّ طلقًا لم يصفه أحد بالقدر، وقد وصفوه بالإرجاء، وهو كالمضاد للقدر. وَصَف طلقًا بالإرجاء حمادُ بن زيد وأبو حاتم وابن سعد, وقال البخاري في «تاريخه الكبير» (ج ٢ قسم ٢ ص ٣٦٠): «حدثنا مسدد، ثنا حماد بن زيد، عن أيوب: «ما رأيت أحدًا أعبدَ من طَلْق بن حبيب، فرآني سعيد بن جبير جالسًا معه، فقال: ألم أَرَكَ مع طَلْق؟ لا تجالس طَلْقًا، وكان يرى الإرجاء».

وهذا السند بغاية الصحة، ويبعد أن لا يبيِّن سعيد لأيوب سبب المنع، إلا وهو يرى أنه لا يعرفه. وكذلك الحال في أيوب وحماد. والذي كان يعرفه حماد أن السبب هو الإرجاء. وشدة أيوب على المرجئة معروفة. وفي «تذكرة الحفاظ» (ج ٢ ص ٧٦) (١) من طريق: «عبد الرحمن بن مهدي عن سلام بن أبي مطيع سمعت أيوب، وعنده رجل من المرجئة، فقال الرجل: أرأيت قوله عز وجل: {وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ} [التوبة: (١٠٦)]، أمؤمنون أم كفار؟ قال: اذهب، فاقرأ القرآن. فكلُّ آية فيها ذكر النفاق، فإني أخاف على نفسي».

قول الأستاذ: «قال به جمهور أهل الحق» قد كشفت حاله في


(١) (٢/ ٥٠١).