والحميديُّ، وإن لم يكن مصريًّا، فقد كان أعلمَ الجماعة بالحديث، وأقدمَهم صحبةً للشافعي، ورفيقَه في سفره، وكان قرشيًّا مكيًّا كالشافعي؛ فأخَصِّيَّتُه به واضحة. والمجاهرة قد وقعت. وذاك الاختلاف كان في حياة الشافعي كما هو صريح في القصة.
وغرامةُ البويطي ألفَ دينار لا شأن للحميدي بها، ولا لاختلاف الأصحاب؛ فإن الأستاذ إنما أخذ مما في «توالي التأسيس»(١): «قال زكريا الساجي: سمعت إبراهيم بن زياد يقول: سمعت البويطي يقول: لما مات الشافعي اجتمعنا في موضعه جماعة [١/ ٢٩٥] من أصحابه، فجعل أصحاب مالك يسعون بنا عند السلطان، حتى بقيت أنا ومولى للشافعي. ثم صرنا بعد نجتمع ونتألَّف، ثم يسعون بنا حتى نتفرق، فلقد غرمتُ نحوًا من ألف دينار حتى تراجَعَ أصحابنا وتألَّفنا». فغرامةُ الألف كانت للسعي في إنقاذ من تحبسه الأمراء أو تنفيه من الأصحاب. فإن كان هناك برطيل، فللأمراء وأشياعهم. وزَعْمُ أنَّ البويطيَّ رشا الحميديَّ حتى شهد له زورًا بهتانٌ عظيمٌ لا يضرُّ في الدنيا والآخرة إلا مختلقَه!
وزَعْمُ أنَّ هوى الحميدي كان مع البويطي مخلوق آخر! ولو كان للهوى مدخل لكان هواه مع ابن عبد الحكم صديقه ومضيفه. وكان آل عبد الحكم أهل الكلمة والمكانة والثروة بمصر، لا يكاد يُذكَر البويطيُّ في ذلك بالنسبة إليهم.
وزَعْمُ التقارب في المنزع خلافُ الواقع، فإن الحميدي كان محدِّثًا قبل