للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قلت لأبي يوسف القاضي: ما كان أبو حنيفة يقول في القرآن؟ قال: فقال: كان يقول: القرآن مخلوق. قال: قلت: فأنت يا أبا يوسف؟ فقال: لا. قال أبو القاسم: فحدَّثتُ بهذا الحديث القاضي البِرْتي، فقال لي: وأيّ حَسَنٍ كان! وأيّ حسن كان! يعني: الحسن بن أبي مالك. قال أبو القاسم: فقلت للبِرْتي: هذا قول أبي حنيفة؟ قال: نعم المشؤوم. قال: جعل يقول: أحدث بخلقي» (١).

قال الأستاذ (ص ٥٤): «هذه كذبة متراكبة على ألسنة أبي يوسف وابن أبي مالك وأحمد بن القاسم البِرْتي (*)، وثلاثتهم من أغْيَر أهل العلم على مذهب أبي حنيفة، وأرطبهم لسانًا في الثناء على أبي حنيفة. ولا أتهم بهذه الرواية السخيفة سوى أبي القاسم البغوي، إن كان الخطيب سمعها من العتيقي. وقد قال ابن عدي عن حاله عند أهل بغداد: وجدتُ الناس أهلَ العلم والمشايخَ مجمعين على ضعفه. وتجد بعد هذا الإجماع مَن يروي عنه. وكم أوقع الرواةَ تطلُّبُ العلوِّ في الرواية عن الضعفاء والهَلْكى! ولولا أن البغوي الحنبلي عاش وعلت سنُّه لما كان يروي عنه أحد ممن له شأن، لظهور مبدأ أمره كما سبق».

أقول: أما غيرة أولئك الثلاثة على مذهب أبي حنيفة وثناؤهم عليه، فما يصحُّ من ذلك لا يمنع أن يخالفوه في تلك المقالة، كما خالفه أبو يوسف في مسائل لا تحصى. ولا مانع من أن يخبر بعضهم بعضًا بها، ولا أن يُخبر بها (٢) الحسنُ زيادًا ليعلمه براءة أبي يوسف من تلك المقالة، ولاسيَّما إذا عُلم أنها مستفيضة عن أبي حنيفة. وكان حفيده إسماعيل بن حماد يصرخ


(١) كذا في (ط) و «التاريخ» ط القديمة، وفي المحققة (١٥/ ٥١٩): «أحدث بِحَلْقي».
(٢) (ط): «يخبرها».