للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وليس المقصود ردَّ كلمة الهمذاني، وإنما المقصود تجريدها عما فيها من المبالغة التي أشار إليها ابن حجر. فأقول: كانت المكاتب في ذاك العصر خاصةً بالأطفال، إنما هي لتعليم القراءة والكتابة؛ فأما ما زاد عن ذلك من العلم فكان محلُّه الجوامع والمساجد ومجالس العلماء في بيوتهم والمدارس الكبيرة. فمرَّ ــ على ما يقول الهمذاني ــ ابنُ بَرْهان مع جماعة من أهل العلم وغيرهم، فيهم الإمام أبو نصر ابن الصبّاغ الشافعي، بمكتب من مكاتب الأطفال، فصادف وقت خروجهم، فأخذ ابن برهان يقبِّلهم ويدعو لهم تنشيطًا لهم ورجاءَ أن يصيروا رجالًا صالحين. فمازحه ابن الصباغ بأن قدَّم إليه واحدًا منهم قبيح الصورة، فأعرض عنه ابن برهان علمًا بأنه لا مجال هناك لأدنى ريبة، ولو كان هناك مجال لريبة لكان الظاهر أن يقبِّل ذاك القبيح كغيره. وأيُّ عقل يميز أن يكون فيما جرى شيء من الريبة، ويقرُّه الحاضرون من أهل العلم وغيرهم، ويقتصر ابن الصباغ على تلك الملاطفة؟ فأما أهل بغداد المخالفون لابن بَرْهان في العقيدة أو المذهب أو كليهما، فلم يروا فيما جرى ما يسوِّغ أن يُعاب به ابن برهان. وأما ذلك الهَمَذاني فدعته نفرته عن ابن برهان لمخالفته في العقيدة والمذهب إلى أن عبَّر بقوله: «يميل إلى المردان»، فنازعه واعظُ الله تعالى في قلبه، فدافعه بقوله: «من غير ريبة»، وذكروا (١) قصة المكتب، فجاء ابن الجوزي، فصنع ما تقدَّم. ولا أدري ما صنع سِبْطه، فإنه كثير التصرف في مثل هذا! فوقع التزيُّد في الحكاية، كما تراه في «بغية الوعاة» (٢) وغيرها.


(١) كذا في (ط).
(٢) (٢/ ١٢٠ - ١٢١).