فلسًا! وهو الذي روى حديث ابن مسعود:«كلم الله تعالى موسى عليه السلام يوم كلَّمه وعليه جبة صوف، وكساء صوف، ونعلان من جلد حمار غير ذكي»، فزاد فيه:«فقال: من ذا العبراني الذي يكلِّمني من الشجرة؟ قال: أنا الله». والتهمة لاصقه به لا محالة، لانفراده بتلك الزيادة، كما يظهر من طرق الحديث في «لسان [١/ ٣٣٩] الميزان» وغيره. وما فعل ذلك إلا ليلقي في رُوع السامع أن كلام الله تعالى من قبيل كلام البشر، بحيث يلتبس على السامع كلامه تعالى بكلام غيره. تعالى الله عن مزاعم المشبِّهة في إثبات الحرف والصوت له تعالى. وكُتُبه من شرِّ الكتب، وله طامات».
أقول: أما ذاك الحديث فيظهر أن ابن بطة لم يذكر تلك الزيادة على أنها من الحديث، وإنما ذكرها على جهة الاستنباط والتفسير أخذًا من الحديث ومن قول الله تبارك وتعالى في شأن موسى:{فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَامُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ}[القصص: ٣٠]. وقوله عز وجل: {فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَامُوسَى (١١) إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ} [طه: ١١ - ١٢]. وقوله سبحانه: {فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (٨) يَامُوسَى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [النمل: ٨ - ٩].
وابن بطة كغيره من أئمة السنة بحق يعتقدون أن الله تبارك وتعالى يتكلم بحرف وصوت.
وقد نقل بعضُ الحنفية اتفاقَ الأشاعرة والماتريدية على أن الله تعالى كلَّم موسى بحرف وصوت، كما نقلته في قسم الاعتقاديات (١). وذكر
(١) (٢/ ٥٥٣). والذي نقله هو الآلوسي صاحب «روح المعاني».