للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الحنفية في كتابهم المنسوب إلى أبي حنيفة باسم «الفقه الأكبر» (١) ما لفظه: «وسمع موسى عليه السلام كلام الله تعالى». قال المغنيساوي في «شرحه»: «والله تعالى قادر أن يكلِّم المخلوق من الجهات أو الجهة الواحدة بلا آلة ويسمعه بالآلة كالحرف والصوت لاحتياجه إليها في فهمه كلامه الأزلي، فإنه على ذلك قدير، لأنه على كل شيء قدير».

وكما يحتاج موسى إلى الحرف والصوت، يحتاج إلى أن يكون بلغته وأن يكون على وجه يأنس به. فعلى كل حال قد دل الكتاب والسنة كالآيات المتقدمة وسياق الحديث على أن الله تعالى كلَّم موسى بحرف وصوت، وظهر بما تقدَّم أنه كلَّمه بلسانه العبراني على الوجه الذي يأنس به. ودلت الآية الثالثة على أن موسى سمع الكلام، فقال في نفسه إن لم يقل بلسانه: «من ذا العبراني الذي يكلمني من الشجرة؟ » فأجيب بقول الله تعالى: {إِنَّهُ (٢) أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [النمل: ٩]. فذكر ابنُ بطة ذلك على وجه الاستنباط والتفسير، واعتمد في رفع الالتباس على [١/ ٣٤٠] قرينة حالية مع علمه بأن الحديث مشهور؛ فجاء مَن بعده، فتوهَّم أنه ذكر ذاك الكلام على أنه جزء من الحديث. ولابن بطة أسوة فيمن اتفق له مثل ذلك من الصحابة وغيرهم، كقول ابن مسعود مع حديث الطِّيَرة: «وما مِنّا إلّا»، ومع حديث التشهد: «إذا قلتَ هذا ... »، ومع حديث آخر: «ومن مات يشرك بالله شيئًا


(١) (ص ٢٠ - مع شرح المغنيساوي).
(٢) الأصل: «إني». [ن].