للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إنما سمع منه ــ إن كان سمع ــ بسمرقند على ما رواه الخطيب عن الحسن بن شهاب. وأضف إلى ذلك مقدار سنّ الأردبيلي الذي مكَّنه أن يرحل من بلده إلى سمرقند حيث سمع رجاء، وهذان المقداران يمكن حزرهما بعشرين أو ثلاثين سنة تضاف إلى التسعين التي بين الوفاتين. وعلى هذا يكون الأردبيلي بلغ من العمر مائة وبضع عشرة سنة على الأقل، فيكون مولده قريبًا من سنة ٢٢٠ على الأقل، وهذا باطل حتمًا.

وبيانُه: أن عادة الذهبي في «تذكرة الحفاظ» أن يذكر من مشايخ الرجل أقدمهم، وإنما قال في ترجمة الأردبيلي: «سمع أبا حاتم الرازي، ويحيى بن أبي طالب، وعبد الملك بن محمد الرقاشي، وإبراهيم بن ديزيل» (١). وهؤلاء كلهم ماتوا بعد سنة ٢٧٤، فهل رحل الأردبيلي وسمع سنة ٢٣٠، فسمع من رجاء بسمرقند، ثم رقد بعد ذلك أربعين سنة، ثم استيقظ فسمع من الذين سمَّاهم الذهبي؟ !

فالوهم لازمٌ لابن بطة حتمًا، وسببه: أنه ساح في أول عمره، فكان يسمع ولا يكتب، ولم يكن يؤمّل أن يحتاج آخر عمره إلى أن يروي الحديث، ولهذا لم تكن له أصول. وفي «لسان الميزان» (٢): «قال أبو ذر الهروي: جهدتُ على أن يخرج لي شيئًا من الأصول فلم يفعل، فزهدتُ فيه». وبعد رجوعه من سياحته انقطع في بيته مدة، ثم احتاج الناس إلى أن يسمعوا منه، فكان يتذكَّر ويروي على حسب ظنه، فيَهِم. وكأنه سمع «سنن رجاء بن


(١) «تذكرة الحفّاظ»: (٣/ ٨٥٠ - ٨٥١).
(٢) (٥/ ٣٤٢).